منفى لكتاب
فاز منتخبنا الوطنيّ لكرة القدمِ يومَ أمس في لعبةٍ ما.
أو لم يفز؟ لا يهمّ.
يمرّ الوقتُ خلال الأيّام الماضية بشكلٍ غريب. أستطيع أن أشعر بالدقيقة تتجزّء إلى ثوانِ، الثواني إلى أجزاء والأجزاءُ إلى لا شيءِ فعلاً.
حتّى أنّي لا أعلم السبب الذي يدفعني للنظر إلى الساعة بعد الآن.
هناكَ كتابٌ ملقى على حافّةِ طاولتي الصغيرة. لا أعلمُ كم سيطيلُ البقاء. أشعرُ بهِ ينظر إليّ، ضاحكاً كما لخيباتِ الأملِ أن تكون.
يخبرني الكتابُ أنّي لن أراهُ في أيّ وقتٍ قريب. وأعاقبهُ بإبعاده عن منزله، مكتبتي الجداريّة.
ثمّة نقصٌ ما في هذهِ الغرفة.
أستطيعُ الشعورَ بهذا بالإضافةِ إلى أنّي أمتلكُ ما يكفي من الوقتِ للنظر إلى كل ذرّة هواء هنا.
أتفقّد خزانتي، كلّ شيءٍ في مكانه.
أعدّ الكراسي، جميعهم هنا أيضاً.
الفازة الغريبة الممتلئة بالهواء والغبار. أجل، ها هي. –وكنتُ أتمنّى لو كانت هي ما ينقص حقّاً. لا أفهم سبب وجودها-
كل شيءٍ موجود.
كنتُ أنا ما ينقص كل شيء. أنا درجٌ فارغٌ هذا المساء. أنا الفراغُ الذي يملؤه.
“كيف لي أن أعاقب كتاباً بالنفي عن بيته وأنا لست موجودة؟”
تعيدُ لي هذه الفكرة السخيفة وجودي بشكلٍ مؤقّت.
..
أنا لا أفهمُ كوميديا العصر، “الستاند آب”. ما المضحكُ حقّاُ في التصرّف ببلاهةٍ مطلقة؟
عليهم تجربةَ الجديّة، دعِ الكوميديا الحقيقيّة تبدأ.
تشارلي تشابلن فخورٌ بكم جميعاً.
أتذكّر فجأةً أنّي فراغٌ داخلَ درج. لا يحقّ لي فعلاً تقييم أحدٍ أو إبداءَ أيّ رأي.
ذاكرتي اللعينة.
وذاكَ الكتابُ ينظرُ مجددّاً.
..
كان قد تركَ عندي الكتابَ في زيارتهِ الأخيرة.
“سأستعيده في لقائنا القادم” يقول.
وقتئذ، كانَ لكلّ شيءٍ معنى.
شمسُ تمّوز الحارقة.
أغنيات الحبّ المبتذلة.
و ذاك الشعورُ في معدتي.
– أخبرني أحدهم أنّنا حينَ نشعرُ بالإعجاب تجاهَ شخصٍ ما، نخلقُ داخلنا ما يشبه الشرنقة. وكما تفرضُ دورة الطبيعة عليها
تستيقظُ فراشةً عند اكتمال الحبّ-
التبرير الذي وجدتهُ سخيفاً حقّاً. كلّ ما في الأمرِ أنّ عليّ تغيير عاداتي الغذائيّة.
كانَ يمتلكُ قدرةَ أن يعطي الأشياءَ وجوداً ومعنى، كإلهٍ يوجدُ الأعاصير متى يشاء.
إلهٌ عابث، لديه من المهامّ ما يمنعه من أن يكترثَ لعواقبِ وجودِ بعض الأشياء.
وحدهُ الإله من يستطيع أخذ هذا الوجود أيضاً.
تثقلني هذه الذكريات حدّ ارتطامي بالأرض.
تركض أمّي إثرَ صوت الارتطام لتعيدَ الدرجَ مكانه.
تخبرُ الجميعَ أن علينا ملء هذا الدرج قريباً.
تبكي قليلاً أمامَ طاولتي و كتابُ الشابّ الذي أحبّ ملقىً على أحدِ زواياها.
أعودُ للنومِ فراغاً سعيداً لدرجٍ على وشك أن يُملأ.
..
آية النملي
Leave a Reply