يدٌ متزنة

إن كنت لا تملك يداً متزنة، سيستحيل عليك أن تتخيل كيف يرسم شخصٌ آخر دائرة كاملة ومنتظمة. الأمر ذاته إن كنت لا تستطيع العزف على البيانو، أو الرقص، أو تقطيع البقدونس. هذا الأمر يعذبني منذ أن بدأت التفكير، منذ أن امتلكت حدقتين، لقد عملت بجهد حتى أدخلت الشيزوفرينيا قسراً إلى دماغي، مشيت طرقات طويلة أتخيل بأنني أخي، أو أمي، وأحاول تلقي العالم من خلالهم، وفشلت طبعاً، وشعرت بالخواء ينفجر داخلي مثل زفيرٍ لا ينتهي، ما إن أرى شخصاً يبكي، كنت أقفز بحدقتي عيني إلى فراغٍ انتقالي لا أعرف كنهه، لكنه خارج جسدي، كي أحاول دخول العينين الباكيتين، وتحسس دموعهما، وفشلت أيضاً، وعدت من الفراغ أبصق دماً، كمن طرد جسده خارج جسده كي يعبئه بالفراغ، الآن أتساءل، حقاً، من يعلم إن كنا فعلاً جميعنا نرى العالم ذاته؟ نسمي المربعات مربعات ونقصد بها شيئاً واحداً، نسمي الأزرق أزرق ونقصد به لوناً واحداً، من عرف ملمس الماء والنار على جسدٍ غير جسده؟ لا أحد، ومن حاول ذلك، انتهى به الأمر مثلي، بأشخاص كثر يتحدثون من خلاله، ويفكرون معه، ولكن أحداً منهم لا يمنحه ملَكَته، لا يستطيع رسم دائرة شبه منتظمة حتى، لا يستطيع فهم تقطيع البقدونس والعزف على العود، إنها حياةٌ ذليلة هذه التي يعيشها المرء تائهاً داخل روحه.
****

الأمر معك، ليس أنني أحبك، لكنني أريد أن أكون أنت، أن أحسّ بك من داخلك، أن أكتفي مني ومنك في الوقت ذاته، إنني أحسدك على أنك أنت أنت.
****

لم أنم ليلةً في مكاني، أغمض عيني وأرحل، حتى صار لإغلاق جفني صوت صفق أبواب، أبواب بيوت، سيارات، قطارات، كهوف، نجوم، تربة، توابيت، سماوات.

مروة ملحم

Leave a Reply