مرحبا” في عالمنا

جاءت بي الممرضة إلى هذه الغرفة لأتعرف عليك للمرة الأولى.. بينما والدتك لا تزال تحت تأثير المخدر لحسن حظنا.. هي من اختارت أن تكون ولادتك قيصرية.. لأن” سلفتها مانا أحسن منها “.. هذه الأيام يريدون جمع الثمار دون أن تلفح الشمس بشرتهم.
ترددت أقاويل أن القيصرية قد تسبب الإصابة بتخلف عقلي لاحق، وعندما أخبرت أمك أجابت ( شو رأيك تجي تخلف بدالي؟).
نعم يا صديقي.. إنها الوالدة. لكن لا تقلق.. بحوزتي كتيب التعليمات.. جل ما عليك القيام به هو تلك الإيماءة البسيطة المؤيدة؛ حرك رأسك للخلف بهدوء ثم إلى الأمام مرتين بقوة، هيا قم بها معي.. يا إلهي! هيا!! أهي بهذه الصعوبة؟ أعتقد أن علامات التخلف قد بدأت بالظهور.. يا لخيبة والدتك أمام سكان الحي! ابنها وحيدها لن يصبح طبيبا” مثل أحمد ابن أم أحمد !..
رغم أن أحمد طبيب بيطري لكن ذلك لا يهم أبدا”.. المهم أن ينادوا لك” يا دكتور” وتصبح والدتك “أم الدكتور” .. سمعت أنه يطبب البشر بنصف التسعيرة.. كما يعود إليه الفضل في اعتياد أهل الحي على تناول “الدراي فود” بنكهة الدجاج كبديل اقتصادي عن اللحم المكلف.
ماذا؟ ما هذا؟! نظرة تعجرف؟ ما هذه النظرة؟ اشرح لي من فضلك.. جلالة سموك! لا أدري لعلك تتبول فقط..
اسمح لي أن أوضح لك بعض الأمور عن الحياة هنا..
نعيش عدة أزمات منذ عدة سنوات حتى ما عادت تناسبها كلمة أزمة، إنها أكبر من ذلك! أكبر بكثير! أمست نمط حياة.
مع دخول أول صهريج مازوت إلى الحي ما عليك إلا أن تهرع لتحضر ال” دربكة” و تنغم لوالدتك التي ترقص وتزغرد وترش الأرز على سائق الصهريج.
أما الغاز فوضعه أكثر تعقيدا”.. غينيس ؟أطول طابور؟ لم نحطم رقما” قياسيا” فحسب بل حطمنا الموسوعة بأكملها، صراحة أبو ماجد من قام بتمزيق الكتاب.. من أبو ماجد؟ أبو ماجد هو الذي صور الطابور.. لم يعجبه أنه لم يظهر بالصورة و لم ير العالم بأجمعه حذاءه الذي وصله من قريبه اللاجئ في السويد.
المياه.. إن لم تستيقظ في تمام الخامسة صباحا” لتملأ الخزان، لا بأس. فلدينا الأنبوب الذي نستعير به الماء دائما” من خزان حبيبنا أبو جميل.. لا تصدر الكثير من الضجة فلم أخبر أبو جميل بالموضوع بعد.
لدينا أيضا” عارف.. اسم على مسمى..” شمام الأخبار ” سبب إسدال ستائر الحي.. ملم بأخبار كل منزل من مواعيد الطمث إلى ” شو غدانا اليوم”.. إليه تلجأ معظم نساء الحي لاقتناص أخبار الجارات.. يقال أنه وسع نطاقه ليشمل تناقل الأخبار والتحركات الميدانية..كما يقال أنه لا يكتفي بالعمل لطرف واحد فهو يحتاج مدخول ثابت..حسنا” فعل! فهو على الأقل يجتاز حواجز الطرفين بسلاسة و سهولة بالغة.
عند البلوغ، إياك والاقتراب من فهمية خانم ذات الشعر الأشقر والرداء الأحمر.. يقولون والله أعلم بأنها تتقاضى مبالغا” طائلة، زبائنها من العيار الثقيل ..لا ترمقني بتلك النظرة، هذا لا يعني أنني سألت عن الموضوع سابقا”..عارف فعلها، عارف أخبرني. نعم، هو فعل ذلك!
لا تروقني أيها الطفل يبدو أنه علينا أن نستبدلك بزميل لك هنا في الحاضنة، هذا الطفل يبدو أنه أشقر ولطيف، أو تلك الفتاة إلى اليمين لن تشعر زوجتي بالفرق غالبا”. يا لعسر الحظ! الممرضات يراقبننا من الخارج باسمات الثغر ، لعلهن يظننها لحظة عاطفية، ليتهم يعلمون كم حاولت جاهدا” الهرب قبل الدخول إلى هنا، لكن يبدو أننا وقعنا سوية في الفخ يا صغيري، لا مجال للتبديل ولا الترجيع.

لين مهنا
 

Leave a Reply