ابطال خارقين
الأبطال الحقيقيون دوماً لا يعرفهم أحد إلا محيطهم الضيق ، و أمام عجز النفس البشرية عن اكتشاف ذلك البطل الخارق ظهرت الأفلام السينمائية للكبار و الصغار لتحكي لنا عن سوبر مان و سبايدرمان و بات مان .
و السؤال الذي يطرح :
هل يجب أن يكون البطل الخارق مثالياً ؟
إن أهم صفات البطل الخارق هي العبثية ، فهو مزيج بين الأبيض و الأسود ، و بين الكلّ و الجزء ، و بين المبهم و الواضح ..
و لذلك سميّ خارقاً ..
أن يكون البطل خارقاً يعني أن يبهر الآخرين ، و لكن هنا سؤال آخر :
كيف عليه أن يبهرهم ؟
لا ينبغِ للبطل الخارق أن يكون قوياً لأن القوة و على حد تعبير الفقيه مونتسكيو تؤدي إلى التعسف باستعمال السلطة .. و لربما للحروب و الدمار ..
إن البطل الخارق يبهر الآخرين بجماله الداخلي و ضعفه ليعبر للناس عن الجمال الذي يكمن في قشة تحترق .. و لربما من هنا أتى مصطلح الخارق .
دعك يا عزيزي القارئ من المقدمات و ادخل معي في صلب الموضوع فأنا اليوم أريد أن أخبرك عن قصة بطلة من هذا الزمان .. بطلة من دمشق .. كنت قد أحببتها يوماً و لربما ما زلت
هل أنت مستعد ؟ لا أعتقد ذلك .. لكن سأبدأ :
كثر هم الأبطال في دمشق .. منهم من فارقنا الحياة و منهم مازال على قيد الحياة حتى هذه اللحظة ، و لأن الحياة أصعب من الموت و لأن الخارق يعني أن يكون حياً قلباً و عقلاً و كأن وظائف جسمه تعزف مقطوعة موسيقية إليكم هذه التفاصيل :
………
الفصل الأول
الزمان ٢٠١٣ (عام ثالث على الحرب السورية ) :
لم نعتقد يوما في سوريا أن ندخل في هذه الحرب الشرسة ، و أن نستبدل صوت العصافير و الموسيقى بصوت الانفجارات و الصواريخ ، و لا أن نستبدل رائحة القهوة العربية برائحة الموت.
دعوني أشبه لكم رائحة الموت بآخر من يخرج من القطار السريع المتجه لمكان مجهول ..
سيارة الشحن أتت لنقل أثاث منزلي لأنني مضطر للنزوح بعد أن دخل سكان الحيّ في لحظة غضب بدوامة الحرب .. و على الرغم
من أن الكل صديق الكلّ في حيّنا أصبحوا بنفس الوقت الكل عدو الكلّ ..
جمعني و إياها النزوح و ويلات الحرب فتشابه القدر بيننا بالنزوح و لربما نزحنا لكي نلتقي .. و لكي نقف بوجه الحرب بطريقتنا ..
و بعد أن فقدتُ إيماني بالحب أتت ليجمعني و إياها الحب ..
فكان اللقاء الأول الذي غير المعنى في حياتي ..
و عرفت معنى أن تكون خارقاً في بلاد الحرب و الياسمين ..
و لأنها طموحة تعلّمت منها الطموح . ..
و لأنها وفيّة ساعدتني بكتابة دفتر لأحد المواد القانونية سأحكي لكم قصته بعد قليل ..
و لأنها مميزة لاقت محبة الجميع ..
إيمانها بالله بالرغم من المشهد المؤلم في سورية كان مدرسة لتعليم العلمانية ..
و هكذا استعدت في هذا العام مقعدي في هذا الكون
سعيداً جداً ..
و في خضم الحرب استطاعت أن تدرس و تنجح بمعدلات عالية و تفوز بالمسابقات الأكاديمية و تحرز الشهادات .
و لأنها خارقة .. أحببت ما أحبتّ
بدأ الجميع يتحدث عن قصتنا و لاسيما والدتي التي استشهدت و التي جهزت قبل استشهادها فستان لحضور عرسي لكن والدتي لم تحضر العرس و لم ترتدي الفستان .. و لأن الخياطة أخلاقية أعادت لنا ما دفعته والدتي لقاء ثمن الفستان ، كانت البطلة الخارقة موجودة معي عندما أخبرتني الخياطة في دمشق القديمة لهفة والدتي بانتظار عرسي مع البطلة ..لتعود معي باكية على كل هذا الألم …
أن تكون خارقاً يعني أن تكون إنساناً و هي كذلك .
………
الفصل الثاني :
الزمان ٢٠١٤ ( عام رابع على الحرب السورية )
استمرت البطلة الخارقة بأداء رسالتها بالحياة تجاه أهلها و مجتمعها و تجاه من أحبت و تجاه نفسها ..
و على إيقاع الموسيقى المفضلة لديها كانت تدرس و تساعدني بموادي الإمتحانية و تبدع في مجالات شتى ..
أن تكون خارقاً يعني أن تقوم بذلك كله .
و وصل الحب بيننا إلى ذروته . ..
لكن .. و لأن الحياة مجنونة في بعض الأحيان حدث ما لم يكن بالحسبان ؛
كنت في بيروت أتقدم لفحص السنة الثالثة في كلية الحقوق جاءني الاتصال الذي غيّر كل شيء و دمر كل شيء .. كان محتوى الاتصال عبارة عن جملة واحدة
” العمر ئلك .. توفت والدتك ”
بدأت أصرخ كالمجنون .. كان الألم حقيقيا ..و مؤلماُ
كانت أول من اتصلت به باكياً . . و لأنها كما العادة كانت خارقة حاولت استيعابي و استيعاب الموقف.
تركت مستقبلي و امتحاناتي و هرعت لدمشق لأحضر مراسم العزاء . . و أحمد الله اليوم أنني لم أراها جثة هامدة و آخر مشهد أذكرها به هو قبل سفري أعدت لي القهوة و ودعتني .
و لأن بطلة القصة خارقة نذرت نفسها لإسعادي و امتصت كل غضبي و حزني حتى فقدت طاقتها و بهجتها .
و لأن والدتي كانت تحلم أن تراني محامياُ و أصبحت كذلك ، هرعت بعد يومين إلى بيروت لأقدم آخر مادة امتحانيه مصطحباً معي الدفتر التي أعدته لي و الذي أخبرتكم عنه في الفصل الأول .
كانت أوراق الدفتر مملوءة بالمعلومات الدراسية و بعبارات الحب العذبة ..
أن تكون خارقاً يعني أن تساعد شريكك بالحياة على التفوق ، حصلت عل شبه علامة تامة حينها.
…….
الفصل الثالث
الزمان ٢٠١٥ (العام الخامس على الحرب السورية )
كان الحزن أكبر من أن أقاومه و أتحمله حتى تحولت لإنسان قاسي كان كل ما يفعله و من دون قصد هو تشويه الحب مع البطلة الخارقة .
أن تكون خارقاً يعني أن تسامح الشريك على أغلاطه العنيفة التي صدرت منه من دون قصد ..
و هي كانت تسامحني كل لحظة . .
و أنا أخطأت التصرف .. تباً للأغلاط ..
و السؤال الذي يطرح :
هل الخارق لا يستسلم ؟
لكي يكون البطل الخارق واقعي و حقيقي ينبغي عليه أن يستسلم
و أمام الألم و القسوة استسلمت البطلة الخارقة رغم مقاومتها الشديدة …
و كان موعد الفراق . ….
………
الفصل الرابع و الأخير – نهاية الحكاية
الزمان ٢٠١٦ وحتى هذه اللحظة (ثمانية سنوات على الحرب السورية )
استمر الفراق و استمرت محاولات البطلة الخارقة على النهوض و أخرجت كل ألمها جمال و إبداع حتى أصبحت سر من أسرار دمشق .
أن تكون خارقاً يعني أن تترجم الألم و الفراغ و هذا ما كانت تفعله بطلتنا الخارقة …
و لأن الحروف تخلد بالتاريخ ها أنا أقص عليكم قصة سريعة عبار ة عن اعتذار و محبة .و الجميل في الأمر أن القرّاء من بلد آخر بعيد جداً ..
فهل تقبلون اعتذاري ؟
و لأننا عندما نحب يجب أن نحاول إسعاد الآخر فها أنا أتعهد أمامك يا عزيزي القارئ بالرحيل إلى الأبد عن البطلة الخارقة
و لأن الخارقة ستبقى خارقة أتمنى منك يا عزيزي القارئ إرسال التحية لبطلتنا بالطريقة التي تريد ..
و أن تشرب نخبها بالمشروب الذي تفضل.
هامش :
نصف الشجاعة الاعتراف
و الشجاعة الكاملة
الاعتذار و الرحيل للأبد
و ها أنا أرحل
و الحرب مستمرة ….
رامي الخيّر
Leave a Reply