حقيبة سفر

نيسان – 2015

فتحت الخزانة ذاتها التي افتحها كل يوم مرّات عديدة بنفس الكسل ومن دون هدف معيّن تماماً مثلما تفتح البراد وأنت لست جائع.

لكن هذه المرّة كان وقعها عليّ مختلفا كنت أفتحها ويلازمني شعور أنني أفتحها لاّخر مرّة وأسمع صوت مفتاحها وصرير خشبها ايضا لآخر مرّة
كان الهواءُ ثقيلاً بداخلها تسارعت دقاتُ قلبي وبتُّ أشعرُ بقلبي يخفقُ في كلِ أنحاءِ جسدي.

يا إلهي
أيُّ باب ٍ فتحتْ , بابٌ يختصر كل حياتي 25 سنة من الذكريات والطفولة والمراهقة والتمرّد … وجبلٌ من الملابس يخيل إليك أنها سترمى عليك في أيةِ لحظة.
هي خزانةٌ بسيطة داخلها درجان مليئان بالأوراق والدفاتر والأقلام … الكثير من الأقلام .
لا تسألوني لماذا , فلا أعلم لماذا أجمع الأقلام .
هنالك في الرف العلوي ملابسٌ مطوية بعناية وجاكيتٌ ربيعيٌ أخضر هو المفضل لدي . في الأسفل تحت الدرجين بعض الكتب التي ليس لها مكاناً في مكتبتي الصغيرة .

للحظة تجاهلت كل شيء وفتحتُ الدرج الأول الذي أحرص أن يبقى مقفولاً دائماً , هنالك بالزاوية تختبىءُ رسالةً من أميرٍ مجهول وجدتها في حقيبتي المدرسيّة في يوم عيد الحب . كان عمري حينها 11 سنة , وأذكر حينها أن تلك الرسالة كانت كفيلة لتجعل ليلتها تلك الطفلة تنام بسريرها مبتسمة .

في الزاوية الأخرى من الدرج علبة سجائر داخلها سيجارتين سرقتهما من والدتي , كنت ادخن حينها بالخفية .
هنالك أيضا مفتاح منزلنا بشكالة مفاتيح على شكل قلب كانت قد أهدتني أياها صديقتي التي تزوجت منذ سنة وسافرت إلى السويد .
كنت أفكر حينها , هل سأستخدم تلك المفاتيح مرّة أخرى كانت لحظتها فكرةً أشعرتني بالقشعريرة .
في نفس اللحظة فتحت والدتي الباب لتقطع شرودي وتسألني إذا كنتُ قد أنتهيت من ضبِّ الحقيبة .
لكنني لم أكن قد بدات بعد .
وهي الأخرى كانت حائرة لا تعلم ماذا تفعل مثلي تماماً
سألتني لتكسر الصمت بيننا . هل انتهيتِ ؟
ماذا عليَّ أن أُجيب ؟
قلت لها بمرح أنني على وشك الانتهاء لم يكن لديَّ جوابٌ اّخر فأيُّ حوارٍ أطول بيننا يومها كان كفيلاً بأن يفتح نقاشاً أطول وينتهي بالبكاء
خرجت أمّي وأغلقت الباب خلفها، على الفور أخرجت قطعتيّ ثياب أو ثلاث بعجل ومن دون تفكير فلم يعد للأمر أهميّة .
ما هو مهم هو طريقنا المجهول في الأيام القادمة .
تركت كل شيء خلفي أغلقت الدرج وباب الخزانة وأدرت ظهري.
لم يعد هذا مُلكي ولم يعد مهماً قد أكون بعد أيام جثةً هامدة تطوفُ على سطح البحر وتكون طعاماً للأسماك, لا أعلم لماذا ولكن تلك النهاية لم تكن تفارق مخيلتي في تلك اللحظة ، وصحيحٌ أنني لم اُصبح طعاماً للأسماك حينها لكنني أصبحت الأسوء أصبحت لاجئة .

2019 حزيران

كل ذلك لم يعد إلا ذكرى أتعلمُ منها في حاضري الّذي أبنيه على بقايا إنسان في بلدٍ أوربّي.

أعرفُ جيداً أنني لن أعود إلى حياتي السابقة أبداً وأسأل نفسي في كل مرّة وأنا انظر لنفسي بالمرآة .
من هذهِ ؟ وما الذي أراه ؟
ولكن ما يجعلني أستيقظي كل صباح لأقابل نفس الغريب , ليس إلّا أملاً بأني في يوم من الايام ساكون قادرة على تقبّل هذا الغريب.
فمع مرور الوقت لا احد يبقى غريباً.

اكتب ذلك وانا في المسبح استمتعُ بحرارة الشمس مع البيرة الباردة, تماماً كما أريد , تماماً كما أحب.

ساندي ايشوع

Leave a Reply