حمولة زائدة

رغم أنه كان على ثقة بأنًّ خبر موته لن يشغل بالَ أحد، سوى كلبه ” هارلي ” الجائع دوماً والذي لطالما كان يشتم رائحة الرغبات الدفينة، ويُشجِعه – بطريقة ما – على الانتحار ليلتهم مؤخرته.
كيف لا .. وهو الذي لم يَكترث بوجوده أحد، فكيف بغيابه ؟!

لكنه كان مُصِرّاً على كتابة رسالة .. رسالة أخيرة ..
ويرميها من نافذته العالية ، حيث العبث والريح سيختاران لها وُجهة مُنصِفة .

لقد جهَّز كل شيء ..
طاولته الخشبية التي التهم الشمع والحبر أطرافها، قصائده المُعلَّقة على الجدار المقابل، لتطفئ في نفسه أي تراجعٍ مُحتمَل، ولتشعل دوافع الرحيل ..
حبلٌ ثخين يكفي لأن يُجنِّبه أي مفاجئة يخبئها له حظه العاثر ..
أزاح ستار النوافذ ، لتشهدَ له الشمس أمام الله على نُبلِ ماسيفعله ..

ثم وبلُطف ربط الحبل حول عنقه وكأنه يُلبِسُ فتاته طوقاً من الياسمين، وبدأ بشده بقوةٍ هيستيرية.
وبحركة خاطفة، ركل الطاولة وانقلبت بعيداً عن أقدامه ..

ليجدَ نفسه مَرمياً على الارض مُحاطاً بأنقاض غرفته الهشة التي تداعت فوق جسده ، جسده هذا الذي لم يتأثر كثيراً بثقل الجدران المُنهارة ، أُصيب بتهشمات بعد أن حَطّت فوقه ورقة ، إنها رسالته اللعينة ثانيةً ، تناولها من يد الريح ، وكتب على وجهها الآخر :

” بالنسبة لشاعرٍ مثلي ، وحدها السماء تصلُح لأن تكون سقفاً يحتمل كل هذه الحمولة الزائدة من الحزن القابع في أعماقه “
ومن وقتها وهو يعانق السماء بنظراته، يُمنّي النفس بميتةٍ أكثر إحكام .

– هارلي أيها الجائع اللعين ! يالخسارتنا .

صبحي طماع

Leave a Reply