العفن يملأ كل شيء

 

يملؤني شعورٌ خفيٌّ بالخلود، أنّ كلّ ما أحبّه سيصل النهاية دوني.

لم أكن أهلوس إذاً حينما طلبتُ ورقةً واحدةً فقط للكتابة.إنّهم يبيعون التفاح هكذا، وكلّ شيء.

لستُ صحفيّاً، أعني أنني لم أصبح كذلك. وهذا التركُ المتعمّدُ للأشياء حولي، يدلّ لربما، أنّي لم أشعر من قبل بالعجز في حياتي، فأنا، رفضتُ دخول أي فرع في الجامعة، أن أتزوج أيّ فتاة، أن أحكم من قبل ديكتاتور، أو على الأقل أن أنجب طفلاً إلى هذا العالم.
كنتُ أرى في سلبيّتي وسخريتي جماليّة خاصة، حيث كنتُ أستطيع السيطرة عليها، أو،على الأقل، كنتُ أملك الحجّة.ولكن حينما حدث ذلك الموقف، وأنا متأكدٌ أنّه كان موقفاً وليس كتاباً مثلاً، حيث أنّي أتذكر ما أقرأه بشكل جيّد، استنتجتُ عدم عنيي ما أدعو إليه، أو أنني لم أكن أطبّقه على قراراتي تحديداً.

 

عفواً لكنني لم أطلبْ القهوة. بلى إنّي أعشقها، ولكنّكِ لا تفهمين، فأنا لا أحبّ ان أُعطى الشيء إلّا إذا طلبته، بذلك أحافظ على تركيزي.

آسف لم أقصدْ ذلك، بل على العكس، اعتدتُ أن أكون أكثر لطفاً مع الغرباء، فأنا لا أمتلكُ شيئاً ضدّهم. أنا أيضاً أثقُ بجميع من يقرأ الكتب مثلي، فالقراءة كانتْ يوماً ما جزءاً من توازني.

 

 

اليوم الأول:

أشتهي اتخاذ مواقفَ عنيفة من الأشياء حولي، ألّا أدع الحنين يتسرّب إليّ خلسةً. ليستِ الحرب، بل تفاصيلي التي قادتني إلى هنا، وكلّ تلك الصور الهشّة,وكلّ تلك الملابس الرثّة،هي مجرد ذكرياتٍ بائسة.

 

أجل, أنا انتقائيّ ،بطبعي، وأؤمن أنّ على المرء ألّا يجرّب كلّ شيء. سأفكّر بكتابة رواية لاحقاً ونشرها على أجزاء،حينها فقط سيكون السرد متتاليا.

 

 

اليوم الثاني-صباحاً:

يبدو أنني حتى في عطلتي لن أتخلّص من لعنة الاستيقاظ باكراً. يجب ألّا أفوّت فطور الفندق.

أنا هنا، في جنيف، أكثر الأماكن أهميّةً، لكنّي أعيش في مدينة صغيرة في غرب ألمانيا، اخترتها لأنّها ليست على شأن كبير، مثلي تماماً.

بدأتُ الآن أُحبّها.

معذرةً، أنا مضطرب بعض الشيء، فتجربتي ليست كاملة،وقد مرّ عليّ وقت كنت أعرف فيه ما أريد، وكنتُ أطلبه بوقاحة،لكن تتبع الشخصيّة أمر متعب في النهاية،وأنا أعلم، أنّ النجاحات الكبيرة، تحتاج إلى حياة كاملة، حقبة زمنيّة معيّنة لتتخذ لنفسها معنى، وأنّ من لا يملك الجلد على تربية طفل، لن تكون لديه القدرة على تأليف رواية، أو على الأقل رواية مطوّلة، وإنما سيستمر بكتابة نصوص مكثّفة مربكة كالاحتلام.

 

ما أودّ إخباركِ به أيضاً، أنّ يموت والدي، هو أمرٌ يكسر القلب حقاً، أمّا الذي حدث بيننا هو تشوّه لم أرد الحصول عليه فقط ،ولهذا فأنا أمقته.

 

اليوم الثاني-مساءً:

الجمل الرومانسية هي جمل ركيكة قواعديّاً.

لم أجد حتى الآن شخصاً يستمع إلى موسيقاي أنا بترتيبي أنا فأشاركه غرفتي-الفراغ الموجود الذي أصبحتُ أعيه.

 

اليوم الثالث:

لا أستطيع وصف كميّة العنف الداخلي التي تستطيع هذه المدن المتطورة أن تولّده بداخلي. أستيقظ صباحاً وأودّ لو أصرخ بوجه أحدٍ ما، أذهب إلى العمل وأنا بحاجة أن أقتل رجلاً، أعود وبي شهوةٌ خاصةٌ للرقص العشوائي أو القفز.

 

 

 

 

في برلين،ذهبت لبيرغهايم، تركتُ شخصاً لا أعرفه يقبّل رقبتي، شاهدت أشخاصاً يمارسون الجنس أمامي بشهوانية مفرطة،مارست العادة السريّة، ارتجفت, تناولت بضع المخدرات، ليس شيئاً ثقيلاً فأجهشتُ بالبكاء.لكن هنالك لحظة ما، بل أقل، غبت فيها عن الوعي, استيقظت منها وأنا أقول أنّي لا أريد كل هذا، لا أودّ أن أكرره. ثم أخذت طريق العودة للمنزل، لثمان ساعات، بدقّات قلب متسارعة وحرارة مرتفعة.هذه الذكريات-التفاصيل كلها ليست حقيقة، لأنها لا تشبهني.

 

اليوم الرابع :

فوّتّ الفطور اليوم لأنّي لست مهتماً.

كل ما كان يصدر عنّي في السابق هو مجرد ردود أفعال، أجل فأنا شخص انفعاليّ، أنا المرآة، هاهاها.

 

اليوم الخامس:

وأنتِ تحاولين تقليد الكبار في خطواتهم، صِرتِ فقط شخصاً لئيماً لا يحتمل مشاهدة الخطأ.

كنت سأغفر لكِ حقّاً، لو أنّي لم أكن أيضاً مذنباً.

 

اليوم السادس-صباحاً:

يوجد تمرين جديد أودّ لو أمارسه, أن أنظر في عيون الناس وأنا أتحدث إليهم.

-عفوا، ظننت أنّ عليّ العبور من هنا، كلا، ليست درجة رجال الأعمال,لم أنتبه للافتة،،أجل هناك،هو أيضاً هناك،لكنني لا أفهم.

سأصبر على الأشياء حتى أنتهي منها، أما الأشياء الأخرى, تلك التي أحبّها، فسأكررها كلّ يوم.

 

جنيف

30\03\2018

 

فرح النيحاوي

Leave a Reply