شامة ودكة بالقلب

تمر بمحاذاة البحر كل يوم، تسير على مهل، الطريق ليس طويلاً لتنجز ما عليها، يعرفها البحر جيداً، أعرفها وأعرف البحر، في كل هذا، هناك دائماً ندبة لا تزول، كوشم في القلب.

كل الفتيات يحلمن بالقمر، كل الرجال يحلمون بالمرافئ، بالوصول الى ما لا يمكن اعتباره نهاية حب، نهاية فرح، الحلم وشم لا يتغير، قد يصبح أقل وهجاً مع الأيام، قد يُنسى ككل شيء، لكن لا يزول.

قالت لي بأنني “واضح الحزن والتعب.”

لم أجب، كنت وشم صمتٍ وخيبة، ابتلعت حزني وقبلت ظلها، ارتسمت على عيني كبقايا وشم جدات ريفيات، كصوت ناظم الغزالي “شامة ودكة بالحنك”.

واشتريها.

ثم ينتهي كل شيء، ويبقى صوت ناظم الغزالي “خايف عليها، تلفان بيها”.

 

كل شيء يصبح عراق، للذين يشربون الليل بصوت أغانيه القديمة، أو يكسرون أقداحهم بدجلة، تخيل أنك تسير بلا هوية ، تبكي لأنك اللا أحد، ستكون بحزنك عراق وحيد، ولو كان كبيراً ويتسع، سيكون وشماً على وجه الطرقات واسفلت الشتات الذي يجمع الكل حول الحزن.

يكفيك ندوب على عظامك، تُرك أثرها سابقاً، حين رمتك الحياة من غربالها لتمشي الى مرافئ بعيدة، ولا وصول، النقش على العظم فن تتقنه الحياة في هذه البقعة من الأرض، تترك أسماء من رحلوا ومن مروا، ولو بقوا، كلهم مارة، كحركة الابرة التي ترسم الوشم.

أدخل كل يوم لغرفة يصنعون بها الأوشام، يقولون سيكون كما تحب، لا أعرف ما أحب، قلت مرة أريد وشماً كأمي، حزيناً دائماً، لم أجد شيئاً يشبه أمي، ارتسمت في الصدر صورة خيبة اسمها الغربة، وكانت أكبر مني ومن أمي، ومما يمكن رسمه.

في قريتنا كان الوشم على صدور النساء أثمن وشم، وكان العاشق يجلس في ليل طحن الحبوب على  الرحى، يعاين الحنطة وعيونها، يلتمع في ليلٍ بعيد ككل هذا القمر، ككل هذا البحر، وشم الصدر، حينها يصبح العاشق بيدراً، يصبح موسم حب لا ينتهي.

أوشام الرفاق في الطرقات، “رضاكي يا أمي”، “يا مود لا تقترب مني”، كلها مفردات مبالغ فيها، كمن يرسم طائر فينيق أو صورة تشي، الذين تحبهم لا يمكن رسمهم، يصبح وجودهم وشماً خفياً، يراه الجميع، ما من داعٍ لإظهاره، كأن تقول بأنك سعيد في هذا الكوكب القذر، يعني أنك وشم غرابة مطبوع أمامنا، نحن الذين مررنا من طرقاته ورسمنا بالبول أوشاماً  تليق بهذه القذارة التي اسمها أرضنا، كوكبنا الذي لم يبتلعه النيزك.

 

أنا لا أدخل مكاناً لصنع الوشم، لا أعرف كيف تكون هذه الغرف.

كما أنها لا تمر بمحاذاة البحر، الطريق طويل لكل شيء، أعرف البحر جيداً، كأنه وشم خيبتي، الوشم الذي يدق في يسار الصدر دائماً، بكل هذه الندب والذاكرة.

 

محمد حاج حسين

Leave a Reply