كل ذلك الوقت

ريف دمشق

2012

الساعة السابعة مساءاً.

ضربت إحدى آليّات الحربِ الدائرة خارجاً بيتي – وقتئذ، لم أكن على درايةٍ بالأسماء بما فيه الكفاية –

الساعة العاشرة مساءاً.

سأدعو صديقاتي غداً إلى حفلِ مبيتٍ عندي.

الساعة الواحدة صباحاً.

أغنيةٌ أخيرة لعبد الحليم وسأذهبُ إلى النوم.

الموسيقا أجمل خارجَ هذا المكان. ربّما سأسمعُ لحناً جديداً في الغد.

..

دمشق
2016

الثانية صباحاً

لن أعطي هذا اليومَ أيّة أهميّة، هو كلّ ما اعتدت.. الازدحامُ المثير للغثيان، الهواءُ الملوّث ودرجات الحرارة القاتلة.

على هذه المشاعر أن تختفي حتماً إثرَ كلّ هذا.

أنا أشعرُ بالدوار الشديد. لم تُفلح نصائحُ أُمِّي عن أهميّة طعام الفطور، ولا كلّ الأحاديثِ عن خطورة الكافيين.

أعاني صعوبةً في سماعِ ماتقول. أرجوكَ أن تنظر بعيداً علّي أنسى كلّ هذا الأمر.

لا تطلب منّي لقاءً جديداً. و دَع طُرُقنا متوازيةً دوماً.

طرقَ بابي شهابٌ غبيٌّ ذات ليلة.

أنا التي لم أعتدِ السماح للشهبُ العابرة المبيتَ عندي.

أفكّرُ في هذه اللحظة. لو أخبرتُهُ أمراً آخر حينها. لو أَنِّي تمنّيتُ قِطّةٌ مثلاً؟

أو بلاداً بعيدةً عن كلّ هذا.

أنتَ مستمرٌّ في الحديث.

أومئُ مبتسمةً أغلبَ الوقت.

هل أخبرتُكَ كم تبدو جميلاً هذا اليوم؟ لا يهمّ.

أشعرُ بدوّامةٍ تجذُبني نحو الأسفل، هناكَ تفسيرٌ لكلّ هذا حتماً.

وأنت مستمرٌّ في الحديث.

..

دمشق

2017

السادسة مساءً.

..

يبدو هذا المشهدُ مألوفاً.

أحدهم يرحل.

ضجيجُ المدينةِ يبتعد شيئاً فشيئاً، كما لو كنتَ في غابةٍ نائية أو على قمّة جبلٍ كان قد اتّخذها أحد الأنبياء مكاناً للقاءِ ذاته على شكل إله.

أجلسُ على قمّتي الوهميّة الصغيرة. أحاولُ عدّ الخطواتِ التي تفصلني عنك الآن. تتزايد الخطوات. تصبح أمتاراً. آلاف الامتار. آلاف الكيلومترات.

أراك تصغرُ حدّ التلاشي مع آخرِ خطّ أفقٍ سيجمعنا.

أتابعُ حركةَ الغيومِ. لا يبدو أنّها ستمطرُ في أيّ وقتٍ قريب. أمرٌ مؤسفٌ حقّاً إذ أَنِّي كنت بحاجةِ هذا النوعِ من الابتذال لتكتمل لوحتي.

..

دمشق

2017

السماءُ أقلّ زرقةً الآن

الجوّ غُباريٌّ قليلاً.

لربّما كان الخريفُ هو سبب كل هذا

هناكَ عصفورٌ ينقرُ على نافذتي، أنقرُ لَهُ ما يشبه الإجابة. أن غادر هذا المكان.

أشعرُ بالجدران تقترب حتّى تكاد تنطبق على نفسها لتنهي وجوديَ الضئيل

لو أنّه بقيَ أكثر، ذاك الصديق

لو بقي يتحدّث عن ليالي الصيف وأغاني الرياح، حتّى أنام أو ينتهي الكون.

لو أنّه أغلقَ البابَ بقوّةٍ أكبر، حتّى يفزعني صوت الباب، لا ضجيجُ غيابه.

السماءُ اليوم كاذبة.

المطرُ يشعرُ بالكآبة أينما التقى جباهنا.

والليل يخافُ ظلّه متى حللنا.

جميعنا مدينٌ للكون باعتذار.

..

السادسة صباحا.

الأرقُ مجددّاً.

أشعرُ بالاطمئنان الآن. لم يتغيّر شيءٌ حقّاً إثر غيابك.

الحزن؟

الحزنُ، كما الحبّ، كما الوطن. أحدهم ظنّ أنّها فكرةٌ جيّدة. إضافةَ هذه الأوهام إلى حياتنا لتكتمل حفلة تفاهة الوجود.

لستُ على القمّة الآن. أنا في منحدرٍ ما.

كانت تبدو المدينة أكثرَ صدقاً من الأعلى.

أكثر انسجاماً.

والبشر أكثر جمالاً.

كان باستطاعتي متابعة أثرِ خُطاكَ من هناك.

وكما الأنبياء، إذ يتوّجب عليهم الهبوط إلى الأَرْضِ مجدّداً. بعد انتهاءِ النبوءات السماويّة.

كان يلزمني الهبوط. أنا أيضاً.

نظرةٌ أخيرة إلى السماء.

اختفى أيّ أثرٍ كُنتَ قد تركته فيها.

أمّا أنا، سأعودُ للنومِ منتظرةً نبوءتي الخاصَّة. او قليلاً من المطر.

………………………..

آية النملي

 

 

Leave a Reply