النبيذ لشارب القهوة

صوتُ هاتفٍ يرنّ في مكانٍ ما. أحدهم يبكي بمرارة.

خبرٌ مؤسف، على الأرجح.

 

أنا معتادةٌ على الأحلامِ الغريبة، تلك التي لا تحتملُ أيّ تأويلٍ أو معنى.

أذكرُ المرّة التي شاهدتُ فيها أنّي ابتلعت نفسي. ثمّ تقيّأتُها بمرارةٍ لِتخرُجَ طفلاً يحبو بعيداً.

واستيقظتُ بألمٍ في أحشائي بعدها.

الجدير بالذكر أنّ هذا أشدّ أحلامي منطقيّة. وأقلّها غرابة.

وقتئذ، وصلتُ إلى نتيجة أنّ أحلامنا ليست للبوح.. –سأكون أكثر دقّةً بالقولِ أنّ كلّ الضحكاتِ التي سمعتُها أثناءَ محاولتي البحثَ عن معناه هي التي أوصلتني-

 

صوتُ هاتفٍ يرنّ في مكانٍ ما.

أحدهم لا يجيب.

 

لم تكن تملك ما يُميّزكَ حقّاً. ولم أكن لأقول “هذا هو”.

حقيقةَ الأمرِ أنّ مظهرَك بلغَ حدّاً من الرتابةِ كفيلاً بجعلي أغيّر اتّجاهي حالَ مصادفتك في شارعٍ ما.
ولكنّي لم أفعل. ولا أفهمُ سببَ تصرّفي.

ثمّة خطب ما في قهوتي.

السماءُ صافيةٌ اليوم،

لا؟ حسناً.

مضى وقتٌ لا بأس به مذ نظرتُ فعليّاً إلى السماء، لكنّها أول جملةٍ بادرت بالظهور إلى ذهني في بداية حديثنا.

–أتمنّى بشدّةٍ وجود آلة الزمن في هذه اللحظة.

تركتُ جميعَ الحروب، المآسي، وكلّ ما يمكن أن يمرّ في حياتنا من بشاعاتٍ لا تُحتمل لأتمنّى وجود هذه الآلةِ الآن و الآنَ فقط-

كنتُ لأبدأَ الحديث بأسلوبٍ تعبيريّ أصحّ. أستخدمُ الكثير من التشابيه ربّما؟ أحاولُ استدعاء كلّ الكلمات المبتذلة التي أستطيعُ قولها إلى ذهني.

ولم يكن هذا كلّه ليهمّ.

علمتُ أنّ باستطاعتي الحديثَ بأتفهِ المواضيع. أن أقضي الوقت بثرثرةٍ لا معنى لها.

قد نقضي ساعاتٍ بعدّ الشقوقِ على حائطِ هذا المكان المتهالك. أو نتحدّثَ عن احتمالِ هطولِ المطر في قارّةٍ ما صباح الغد.

وكنتَ ستعطيني كاملَ انتباهك.

 

صوتُ هاتفٍ يرنّ في مكانٍ ما.

منزلُ أحدهم يحترق.

 

أذكُرُ الأسبوع الأوّل قبلَ بِدء هذا الشيء.

–توقفت مؤخّراً عن إطلاق أيّ مسمّى على ما حولي، أكتفي بوصف الأشياء وصفاً مجرّداً-

“انظري إلى هذا المكان. إنّه أشدُّ مللاً من أن يشهدَ نزاعاً حتّى”

أذكر الكثيرَ من الضحك.

كنتُ قد أخبرتُ صديقتي بهذا قرب المدرسةِ التي صارت رُكاماً في هذه اللحظة.

لا يبدو المكانُ مملّاً إلى هذا الحدّ الآن، أعتقد.

 

صوتُ هاتفٍ يرنّ في مكانٍ ما. أحدهم لم يجب اليومَ أيضاً.

يا لهُ من وحيد. ذلك المتّصل.

 

بدأتُ أشعرُ بالجدرانِ تتساقط من حوليَ الآن، الجميلُ في الأمر أنّها لم تكن تصدر أيّ صوتٍ مزعج.

أشاهدُها وأستمعُ إلى أغنيتي المفضّلة، أحاول ترتيبَ المقاطع وإعادتها لتلائم مشهدَ السقوط بالشكل الأمثل.

أكتبُ الكثيرَ من الرسائل إلى الجميع، فأنا لا أملكُ هاتفاً.

أخبرُ والديّ أنّي بخير.
أخبرك أنّي أحبّك. وأنّ ذوقك في الموسيقى رديء.
أكتب الرسائل وأحرِقُها جميعاً.

وسيخبرُ شخصٌ ما عن الحريقِ في منزلي.

ولن يجيبَ أحدهم .. على الأرجح.

 

آية النملي

Leave a Reply