ماذا يعني المستقبل بالنسبة لي

السؤال عن المستقبل بالنسبة لي غريب نوعا ما، عشت طوال حياتي مركزاً على اللحظة، لا أرى فائدة من الانتظار والترقب او التفكير في مستقبل متغير لا أملك القدرة على التحكم به، منطق قدري بحت يربطني به وهو خيط رفيع ما زال يربطني بالإيمان التقليدي بمفهومه الواسع.

عندما أفكر بالمستقبل يكون الحاضر على وشك الانتهاء، مثلاً عند انتهاء حقبة ما أو قرب انتهائها أبدأ النفكير في الخطوة التالية، عندما أوشكت سنين دراستي الجامعية على الاكتمال سألت نفسي ماذا أريد ان افعل الآن أو قريباً وقررت بناء على ذلك أن أكمل دراسة الماجستير… لا أكذب على نفسي في شيء ولذلك تأتي حياتي منسجمة دون مفاجآت كبرى، حتى سفري إلى لبنان كان وارداً قبل حدوث الأزمة في سوريا ليس لشيء سوى لأني أريد إكمال الماجستير في أي مكان في حال لم أقبل في دمشق.. أتعامل مع الواقع فقط ولا أشغل نفسي بسواه… وفي الحقيقة عندما أخطط لشيء أفشل بشكل ذريع وتحدث مفاجآت غير متوقعة تغير مسار ما خططت له… التخطيط هو ما يعنيه التفكير بالمستقبل لدي.

قبل خمس سنوات… حسناً بصراحة لا أذكر تصوراتي عن نفسي الآن حينها… بالطبع لم أتوقع الحرب… الغريب أني كنت أتمنى أن أعيش حرباً مثل إرنست همنغواي… كنت أردد أن الأدباء العظماء يولدون في ظروف عظيمة كالحب والحرب.. وتحقق الثاني للأسف… تعلمت مع الأيام أن أكون حذراً فيما أتمنى لأن الأمنيات تتحقق في المستقبل بأسرع مما نتوقع عادة.

أعتقد أن كل خطوة نقوم بها في حياتنا تقود لمستقبلنا الذي لا نعرفه…. القدر أساسي هنا فهو الراسم البعيد لكل شيء… لكن ليس على طريقة الآلهة التقليدية، بل ارى أن الانسان يتوقف عند خيارات متعددة يختار منها في حاضره وكل منها تقود للنقطة التالية التي يفترض به الوصول اليها لكن الاسلوب يختلف… لا أدري إن كان ذلك واضحاً… أقصد أن الأسلوب يختلف في كل خيار والنتيجة واحدة… النتيجة قد تكون عظمة مكسورة أو موتاً، الطريقة قد تكون سقطة من درج فيلا فاخرة او تعثراً بحجر في حقل منعزل بائس…. بهذه الطريقة يبدو الحاضر أكثر استقراراً لأن القدر لا يتحكم به، بل انا فقط أمتلكه دون سواي ومن هنا تأتي خصوصيته.

مخاوفي تتمثل غالباً حول الحاضر نفسه.. الحاضر هو مرحلة من الحياة والمستقبل كذلك… بهذا التقسيم أخشى أن يستمر حاضري لفترة طويلة عندما يكون هذا الحاضر سيئاَ… مثلاً أخشى الآن أن أبقى في لبنان طوال حياتي بمعنى أن يكون لبنان حاضري الأبدي.

عندما ولد أخي الأصغر صرت أقلق عليه وعلى مستقبله…. مثلاً أريد له تعليماً لائقاً ولا أريد أن تؤثر الحرب عليه لكن ذلك تقلص مع الأيام… صرت أفكر بأن له الحق في الحياة دون قلقي على مستقبله… أفضل التعامل معه كحاضر ايضاً.. أن أكون موجوداً بجانبه في كل لحظة مهمة له.. ذلك أفضل من الانشغال بالتجهيز لمستقبل احتمالي قد يتغير في لحظة طائشة من الفوضى القدرية.

لا اخاف الموت بل أعتقد أن الانسان يولد بالمقلوب… نحن نولد وعمرنا محدد سلفاً…. مثلاً 70 سنة مع مؤقت شبحي يتدلى من رقبتنا بعداد تنازلي يتناقص بتواتر مزعج، لذا لا أخشاه ولا اخشى التعرض للخطر طالما أن ذلك لن يميتني…. قد تكون تلك مجازفة كبيرة لأن الوصول للموت يختلف بحسب الخيار الذي اقرره في لحظة الحاضر.

الفقدان كلمة كبيرة لا أدري حجمها أيضاً… أكثر فترة مستقبلية قد أفكر بها هي الاسبوع التالي فقط…. لم أعد أبالي أو ربما لم أبال قط بمن سأفقد خلال أسبوع لأن ذلك يبدو غير قابل للتصديق لحظة التفكير به، وهو أمر مخيف لدى حصوله، أعتقد أنه يشكل نوعاً من الفجوات بين الحاضر والمستقبل بطريقة ما، في لحظات كالفقدان للأبد مثلاً يمكن استشفاف المستقبل لكن للأسف يكون المرء غالباً مأخوذاً بعواطفه نحو استشفاف الماضي.

مؤخراً صرت أكره حالتي هذه، ربما لأن الحاضر تحول إلى مستقبل بطريقة ما، لم أعد أمتلك التحكم بتفاصيل حياتي، أقلق كثيراً على حاضري غير المستقر لأنه لا يبدو مريحاً أو مبشراً بالخير، وعند التفكير بالمستقبل هذه الأيام أصطدم بسواد من نوع مختلف بعيد عن ظلمة عدم المبالاة… وهو ما أدعوه التشاؤم، وهو شيء يتقاطع مع عدم رغبتي معرفة المستقبل ليكون لغزاً غامضاً لا ينبغي الغوص فيه كي لا يفقد خصوصيته.

وليد بركسية

Leave a Reply