عن اللا شيء

قالت لي أمي ذات يوم ، و أنا أؤمن دوما بالأمهات :
” ستحزن كثيراً ”
قالت لي حبيبتي ذات يوم ، وكنت في الماضي أؤمن بالحب :
” أنتَ كلَّ شيء ”
استشهدت والدتي ، و رحلت حبيبتي ، و بقيت أنا . .

لعلها بداية مثالية لشاب سوري يعيش في دمشق في العام ٢٠١٨ ، هناك حيث الحرب بدأت و لم تنتهِ .
لكنني أعلم أن العبرة ليست في العناوين .. إنها و أقصد العبرة تكمن في
التفاصيل …
فهل أنت مستعد يا عزيزي القارئ لتكون شاهداً هذه المرة ؟
إذا أكملت القراءة ، سأفترض نعم .. إذن لنبدأ :

الفصل الأول : صراع مع الداخل
للوهلة الأولى يكاد يبدو كل شيء هنا غريبا و غير مألوف ، إلا الألم ! إنه القاسم المشترك الأكبر بين جميع الوجوه الشاحبة …
نقول لها : دمشق
و نقول لها : الشام ..
نضيع في أحيائها و أزقتها ، و يخطئ التاريخ لأنه تناسى أن يحكي قصصنا ..
هنا حيث الأسماء كثيرة ، و الوجوه كثيرة ، و تزدحم بنا الأحداث …
هنا حيث متنا ، و حيث عدنا للحياة ، و حيث وقفنا بجانب موقف السرافيس مفلسين من كل شيء حتى من الأمل .. لنغدو أكثر واقعية !
هنا حيث تحدينا غودو و انتظرنا مالا يأتي ، حتى أتى ! و فرحنا به و أصابنا الاكتئاب عندما رحل ، و عاودنا الانتظار …
سألنا الجميع : ماذا ننتظر ؟
أجبناهم بأننا : ننتظر مالا يأتي .
سيأتي يوماً .. أعلم ذلك .

الفصل الثالث : وقفة مع الحب
أدخن سيجارتي و أشرب عبوة الجعة الرابعة ، و أنا أعتبر ذلك شكل من أشكال التمرد .
أستمع لموسيقى يعتبرها الكثير غريبة ..
أشعر أنني غير منتمي ..
لا أشبه أحد .
لكن و ما إن نظرت إلى عينيها حتى شعرت أنني أنتمي للجميع .
و عندها فقط يتساوى الجميع مع الأمان و الدفء و دروس القراءة للصف الثالث الابتدائي ، يمرّ بالقرب مني باسم و تتبعه رباب مبتسمة ..
يصادفني أستاذ العلوم الذي درسني في الصف التاسع ، و يشرح لي درس التكاثر الذي رفض أن يشرحه حينها كي لا يخالف قيم المجتمع الذي يرفض التحدث عن آلية التكاثر .
هل فهمتِ يا عزيزتي ماذا أشعر عندما أنظر إلى عينيكِ ؟
أعتذر لأنني لم أستطع إيصال الفكرة إليكِ ..
قلت لها يوماً : أنها الفصل الخامس ..
ربيع .. خريف .. شتاء .. صيف .. هي
قالت لي يوماً : أنني كل شيء ، حتى اكتفت
و بالرغم من كل ما قيل افترقنا ، لربما لأننا واقعيين ..
بحثت كثيراً عن أغاني تتكلم عن الفراق ، لكنّي لم أجد أفضل من إيقاعي الذي جعلني قريبا منكِ .. حتى ابتعدنا .
يقال : الإفراط في الشيء ، يفسده .
و ها أنا أفسده ..
الفصل الثالث و الأخير : الحرب
و في أحد تجليات الله ، سوريين في كل مكان
يعيشون رغبتهم حتى و إن كانوا في وطنهم سوريا ..
يحققوا أحلاماً ، فيكتشفوا أحلام أخرى .
يخفقوا ليتعلموا ..
و تبقى الذات لديهم أم المعارك و أم الألغاز ..
صديقي مات ، قبل أن يكتشف ذاته .
و أنا يموت فيني يومياً شيء ما .. و أكتشف بالمقابل جزء من ذاتي .
مرحى .. أنا اليوم قادر أن أصنع حكمة :
إن مشوار الألف ميل لا يبدأ بخطوة .. هو بالأصل خطوة واحدة فقط .

هامش :
على العصافير أن تزقزق كل يوم
علينا أن نعمل كل يوم
عسكر في كل مكان ..
وجوه غريبة
و أنا أكتب عن العادة .

رامي الخيّر

Leave a Reply